تزداد الأوضاع في لبنان تعقيداً يوماً بعد يوم، والأزمة الاقتصادية والمالية من سيئ إلى أسوأ مع تخطّى سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية عتبة الـ6500 في السوق السوداء خلال اليومين الماضيين مع ما يجرّ وراءه من تراجع في القيمة الشرائية للبنانيين بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الاستهلاكية.
ودفعت "فوضى" الدولار اللبنانيين إلى النزول إلى الشوارع في مناطق لبنانية عدة أمس الجمعة والخميس احتجاجاً على الأوضاع المُزرية التي لم يسبق للبنان أن شهدها منذ انتهاء الحرب في العام 1990.
قابله تحرّك الحكومة بالإعلان عن تعهد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بضخّ دولارات في السوق بسعر 3850 ليرة، فيما وعد رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن التخفيض سيبدأ حقيقة اعتباراً من الاثنين، وإلى ما دون 4000 ليرة للدولار الواحد، وصولا إلى 3200 ليرة وأن الاتفاق تم على الإجراءات.
إبر مخدّرة
على رغم تلك الإجراءات الحكومية التي من شأنها "فرملة" اندفاعة الدولار، إلا أنها ستكون بمثابة إبر مخدّرة لتهدئة غضب الشارع على أن ينتهي مفعولها بعد أن تختفي الدولارات التي ضخّها مصرف لبنان من السوق ليعود بعدها الدولار إلى الارتفاع مجدداً، وهو ما حصل مع سلسلة التعاميم التي أصدرها المصرف المركزي أخيراً من أجل ضبط التلاعب بسعر صرف الليرة، إذ لم تؤدِ إلى النتائج المرجوة بسبب تفلّت السوق السوداء وشحّ العملة الخضراء بالإضافة إلى عوامل سياسية عدة مرتبطة بغياب الإصلاحات المطلوبة من الحكومة اللبنانية التي بدأت رحلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وبعيداً من العوامل الداخلية التي تؤثّر بسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، إلا أن اللافت في التراجع السريع لسعر الصرف، أنه ترافق مع تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى 1700 مقابل الدولار بعدما تخطّت في الأيام الأخيرة عتبة الـ3150. وهو ما طرح علامات استفهام عن الأسباب التي أدّت إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار في مقابل انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار.
ترابط الليرتين اللبنانية والسورية
وفي السياق أفاد صرّافون لبنانيون لـ"العربية.نت" "أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية مرتبط بانخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، لأن كميات كبيرة من الدولار خرجت في اليومين الأخيرين إلى سوريا، لاسيما من منطقة شتورا في البقاع، وهي منطقة قريبة من الحدود مع سوريا وتعجّ بمحال الصيرفة، حيث تُشكّل نقطة عبور لصرف العملات للوافدين من سوريا أو الذاهبين إليها".
ولفت الصرّافون إلى "أن عملية شراء للدولار من السوق اللبنانية تمت في اليومين الأخيرين، وأن سوريين هم من قاموا بعملية الشراء في منطقة شتورا".
غير أن اللافت بحسب الصرّافين، "أن السوريين اشتروا الدولار بالليرة اللبنانية وليس بالليرة السورية، ما يعني أنهم يملكون كميات كبيرة من العملة اللبنانية تم تخزينها من أجل شراء الدولار من لبنان".
هذه المعطيات أكدتها مصادر مصرفية رفيعة لـ"العربية.نت"، مكتفيةً بالقول "إن كميات كبيرة من الدولار خرجت من لبنان في اليومين الأخيرين في اتّجاه سوريا".
اتهامات لحزب الله
غير أن الأكاديمي والناشط السياسي مكرم رباح تحدّث عن دور لـ حزب الله في هذا المجال. وقال لـ"العربية.نت" "حزب الله يُسيطر على سوق الصرّافين في لبنان بشكل كبير، لذلك هو يتحكّم بسعر صرف الدولار ويُهرّبه إلى سوريا خدمةً للنظام".
كما اعتبر "أن حزب الله يقود جريمة مُنظّمة في هذا المجال، مضيفاً "أتوقّع أن يواصل سعر صرف الدولار الارتفاع، لأن كمية الدولار المعروضة باتت ضئيلة جداً، ما سيؤدي حكماً إلى تراجع القيمة الشرائية للبنانيين وارتفاع معدلات البطالة والفقر".
قطاع الصيارفة يخضع لسلطة حزب الله
ومع أنه عزا الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي نمرّ بها لأسباب سياسية مرتبطة بالدرجة الأولى بالفساد المُستشري في الدولة ومؤسساتها"، إلا أنه شدد على "أن "وضعية" حزب الله كميليشيا خارجة عن سلطة الدولة تمنع تنفيذ القرارات الرسمية، والتعاميم التي أصدرها مصرف لبنان وضبط سعر الصرف خير دليل، لأن قطاع الصيارفة يخضع لسيطرة حزب الله، لذلك لم يلتزموا بالأسعار التي حددها المصرف المركزي".
وفيما سعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار ما زال مثبتاً على 1507، يوجد أكثر من سعر صرف مواز للدولار. واحد حدده مصرف لبنان من أجل استيراد المواد الأساسية كالطحين والمحروقات، وواحد للتحويلات المالية، وسعر الصيارفة المرخصّين وآخر في السوق السوداء.
تراجع الثقة بلبنان
إلى ذلك، قال كبير الاقتصاديين في مجموعة "بنك بيبلوس" نسيب غبريل لـ"العربية.نت" "إن تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار مردّه إلى تراجع الثقة بين المواطن اللبناني والقطاع الخاص من جهة والحكومة والسلطة السياسية من جهة أخرى، كما أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء منذ ولادتها حتى اليوم من أجل تعزيز هذه الثقة". وأضاف "الجميع ينتظر الإصلاحات وحتى الآن لم تتم، ونحن في انتظار إجراء صدمة إيجابية تُخرجنا من الأزمة التي نمرّ بها، وهذه الصدمة مرادفة للإصلاحات".
كما لفت غبريل إلى "أن معطيات كثيرة تؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار أبرزها غياب الإصلاحات وفقدان الثقة بالسلطة الحاكمة". وتوقّع "أن يواصل سعر صرف الدولار الارتفاع حتى 23 يونيو/حزيران الجاري تاريخ إطلاق مصرف لبنان منصة إلكترونية للصرّافين لضبط التلاعب بالعملة".
بيان مصرف لبنان
وكان مصرف لبنان أصدر بياناً نفى فيه الأسعار المتداولة عن سعر صرف الدولار. وطلب من جميع الصرافين المرخصين من الفئة "أ" أن يتقدموا من مصرف لبنان بطلباتهم لشراء الدولار على سعر 3850 ليرة لبنانية على أن ينخفض تدريجياً إلى سعر 3200 ليرة لبنانية. أما فيما يتعلق بالصرافين غير المرخصين والذين يعملون خارج القانون، فستتم ملاحقتهم ومعاقبتهم تبعاً لقرارات الحكومة ووزارة الداخلية.
ولا تزال الحكومة برئاسة حسّان دياب عاجزة عن احتواء الأزمة وتعلّق آمالها على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على أكثر من 20 مليار دولار بينها 11 مليار أقرها مؤتمر "سيدر" في باريس عام 2018 مشترطاً إجراء إصلاحات لم تبصر النور.
from arab-and-world https://ift.tt/3d4l4z6
No comments:
Post a Comment