شرعت تركيا في تنفيذ استراتيجية "عثمانية" جديدة تهدف إلى إعادة فرض نفسها كقوة إقليمية. وتتضمن تلك الاستراتيجية جني فوائد عضوية حلف الناتو في الوقت نفسه مع متابعة سياسة خارجية توسعية بشكل صريح شملت حتى شراكة فضفاضة مع روسيا في سوريا، وفقاً لمقال الرأي الذي نشره موقع EU Observer لسايمون شوفيلد، الباحث المخضرم بمركز أبحاث الأمن الإنساني في لندن، والمتخصص في شؤون الأمن والدفاع.
حجب امتيازات المادة الخامسة
ولكن مع اقتراع البرلمان الهولندي بوقف امتيازات تركيا من المادة الخامسة لمعاهدة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والنزاع المتصاعد في ليبيا، الذي وضع أنقرة في مسار تصادمي مع موسكو، فربما يجد الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه في وضع حرج.
وتنص المادة الخامسة من المعاهدة على أنه في حالة حدوث هجوم مسلح ضد واحدة من الدول الأعضاء ينبغي أن يكون هناك أمن مشترك، ويجب أن يساعد الأعضاء الآخرون الأعضاء المعتدى عليهم بالقوات المسلحة إن لزم الأمر.
رفض تلقائي لتركيا
وأكد رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي مؤخراً أن "تركيا واحدة من أقوى أعضاء الناتو. ولا أعتقد أن الناتو سيمضي قدما بدون تركيا من الناحية الجغرافية أو الاستراتيجية".
لكن لم يمنع هذا الرأي كلاً من الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي، وشركائه في الائتلاف الحاكم، من التصويت ضد حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية لصالح اقتراحين، يدعو أحدهما إلى تقديم دعم إضافي للقوات سوريا الديمقراطية في روجافا شمال سوريا، فيما يدعو الآخر إلى الرفض التلقائي لأي تلويح تركي بطلب استخدام المادة الخامسة من معاهدة الناتو، طالما أنهم يقومون بعمليات ضد قوات سوريا الديمقراطية.
صادرات النرويج وهولندا
كرد فعل على اجتياح تركيا لشمال سوريا، قام عضوان من الناتو، هما النرويج وهولندا، بتعليق صادرات الأسلحة إلى أنقرة. ويعدان هذان مثالان فقط على مدى تباعد المسافات بشكل متزايد بين تركيا وبقية أعضاء الناتو.
سيرك المنبوذين
بدلاً من العمل على قدم وساق مع حلف الناتو، اختارت تركيا زيادة قدرتها على المناورة إلى أقصى حد من خلال الشروع في عدد من الشراكات محدودة الإقناع، والتي تضم مجموعة من الدول مثل روسيا وقطر وإيران وفنزويلا. وتقوم بتطوير مجال نفوذها باستخدام الإخوان المسلمين والميليشيات المسلحة من سوريا إلى ليبيا كوكلاء سياسيين وعسكريين. ولا توجد مصلحة لهذه الجماعات في رؤية الاستقرار والازدهار يعودان إلى هذه الدول، التي مزقتها الحرب وتتسبب في ازدهار الفوضى والدمار فيها.
مصير كارثي في ليبيا
على الرغم من أن صياغة طريق الوفاء بالعهود مع الحلفاء، والتعامل مع الدول الأخرى على أساس تجاري ومعاملات قد تبدو جذابة، فإن هذا التحرك التركي فيما يتعلق بليبيا ربما ينتهي بكارثة بالنسبة لتركيا في ليبيا.
بعد أن أثبت الإخوان المسلمون أنهم فصيل مهم داخل حكومة الوفاق الوطني المتداعية في ليبيا، تمتلك تركيا حافزاً أيديولوجياً قوياً لدعمهم.
أطماع اقتصادية
ولكن شهدت تركيا أيضاً فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية في ليبيا ووقعت اتفاقاً مع حكومة الوفاق الوطني الذي وسع المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية في تركيا إلى ليبيا، وهي خطوة مثيرة للجدل، خاصة مع حلف الناتو.
من أجل دعم قوات حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر، أعلنت تركيا في وقت سابق من هذا الشهر عن خطط لنشر قوات، بما في ذلك مقاتلون سوريون وجنود أتراك، لدعم طرابلس.
العاصمة المحاصرة
سيطر الجيش الوطني الليبي الأسبوع الماضي على سرت، المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية الحيوية، والتي تمثل تهديداً قوياً لجناح مصراتة، آخر معقل للدفاع عن طرابلس، العاصمة المحاصرة ومقر حكومة الوفاق الوطني.
اقتسام الغنائم
التقى الرئيسان أردوغان والروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي لمناقشة الوضع في ليبيا. وسواء أن الأمر سينتهي باتفاق "جنتلمان" بشأن تقسيم الغنائم أو بإخبار تركيا بأية شروط غير مؤكدة بأن مشروعهم محكوم عليه بأن يظل قيد النظر.
في الوقت الحالي، توسط الطرفان في وقف هشّ لإطلاق النار بين الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق، ولكن الوقت وحده سيحدد مدى ثبات ذلك الاتفاق.
رؤية غائمة
على المدى الطويل، في كل الأحوال، ستؤكد مجريات الأمور لتركيا بشكل أكثر وضوحاً مدى الراحة في المعاملات في إطار شراكتها مع روسيا أو سرعة انقشاع التعاون بينهما بمجرد تباعد مصالحهما.
وبالتالي ستندفع أنقرة بحثاً عن حلفاء، حيث إن حلف الناتو بات يعتبرها غير موثوق بها على نحو متزايد، علاوة على أن علاقاتها مع إيران شهدت توتراً بسبب اجتياح شمال سوريا، ولتعارض مصالحها مع روسيا في ليبيا.
from arab-and-world https://ift.tt/2G3iP0V
No comments:
Post a Comment